تحالف الأقليات- إسرائيل تستغل الدروز لتقسيم سوريا والمنطقة؟

المؤلف: دهام العزاوي09.10.2025
تحالف الأقليات- إسرائيل تستغل الدروز لتقسيم سوريا والمنطقة؟

الزيارة التي قام بها وفد ديني درزي إلى إسرائيل في الخامس عشر من آذار/مارس عام 2025 لم تكن إلا فتيلًا أشعل مجددًا المسعى الإسرائيلي الحثيث لاستغلال الأقليات والجماعات العرقية والدينية المتنوعة لزرع بذور الفتنة والتقسيم في المنطقة العربية المضطربة.

وفي إطار التحليلات السياسية البحتة، يمكن اعتبار هذه الخطوة بمثابة إيذان ببدء إستراتيجية مُحكمة تهدف إلى مضاعفة الضغوط على حكومة أحمد الشرع، التي باتت تُشكل في نظر تل أبيب تهديدًا مُحدقًا بمشروعها الاستيطاني المتنامي في المنطقة العربية.

إسرائيل وتحالف الأقليات

أكد القائمون على تنظيم زيارة الوفد الدرزي القادم من السويداء والقنيطرة، أن هذه الزيارة لا تحمل في طياتها أي أبعاد أو دلالات سياسية، بل تهدف في المقام الأول إلى توطيد الروابط العميقة بين أبناء الطائفة الدرزية في سوريا وفلسطين، وهي الروابط التي تعثرت وانقطعت على مدار خمسة عقود مضت، جراء القيود التي فرضها الرئيس الراحل حافظ الأسد وابنه بشار على الزيارات المتبادلة بين الأقارب من أبناء العمومة في القنيطرة والسويداء وأهلهم في الجولان المحتل.

إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومراكز النفوذ والقوى الفاعلة في إسرائيل سارعت إلى تضخيم الحدث وتوظيفه في سياق السياسة الإسرائيلية العتيقة، التي أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن إعادة إحيائها وتفعيلها تحت ستار ما أسماه (تحالف الأقليات)، حيث أعلن في هذا الصدد أنه سيتدخل بكل ما أوتي من قوة لحماية الدروز، ليس فقط في إسرائيل، بل وفي سوريا أيضًا.

فهل ستشهد المرحلة المقبلة استغلالًا سافرًا وتوظيفًا خبيثًا للدروز ضد وحدة الأراضي السورية وسلامتها؟ وهل من الوارد أن تتوسع السياسة الإسرائيلية لتشمل جماعات دينية أخرى متذمرة وساخطة من التغيير الذي طرأ على النظام في سوريا، كالعلويين، الذين اكتووا بنار التغيير في سوريا وفقدوا مواقع السلطة والنفوذ، وأعلنوا صراحة عن عداءهم للنظام الجديد، كما تجلى بوضوح في الأحداث الدامية التي شهدها الساحل السوري مؤخرًا!

لا ريب في أن توظيف إسرائيل لملف الأقليات ليس بالأمر المستجد، فقد أعلنت منذ أواخر السبعينيات عن مشروعها الذي يهدف إلى إقامة تحالف للأقليات في منطقة الشرق الأوسط، وقام الصحفي الإستراتيجي الإسرائيلي أوديد ينون في شهر شباط/فبراير من عام 1982 بنشر وثيقة خطيرة بعنوان "الخطة الصهيونية للشرق الأوسط في الثمانينيات"، والتي تستند في جوهرها إلى الرؤية التي وضعها مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هيرتزل في مطلع القرن الماضي، وإلى أفكار مؤسسي الكيان الصهيوني، وفي مقدمتهم بن غوريون، والتي تدعو إلى إقامة "إسرائيل الكبرى".

وقد استندت هذه الإستراتيجية الخبيثة على تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، وطرد الفلسطينيين من جميع الأراضي الفلسطينية، وتهجيرهم قسرًا عبر شن الحروب المدمرة وتجويعهم وفرض الحصار الخانق عليهم؛ تمهيدًا لضم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى إسرائيل، على غرار ما نشهده اليوم من مآسٍ في غزة والضفة.

وقد شكلت تلك الخطة حجر الزاوية في رؤية القوى السياسية الصهيونية المتطرفة، بما في ذلك حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، وكذلك في السياسات التي تنتهجها مؤسستَا الجيش والاستخبارات الإسرائيليتَين.

ووفقًا للخطة الصهيونية المذكورة، فإن الأقليات ستكون بمثابة السند والدعم الأساسي للسياسة الصهيونية التوسعية، إذ إنّ الاستبداد العربي المتجذر، واحتكار السلطة، وعدم قدرة العقلية العربية على استيعاب الآخر المختلف دينيًا وعرقيًا، سيدفع بالأقليات والجماعات الدينية المتنوعة إلى أن يكونوا حلفاء طبيعيين لإسرائيل، وعلى ساسة الدولة العِبرية استغلال حالة التذمر والسخط لدى أبناء الأقليات؛ لتمرير سياساتهم الرامية إلى تمزيق المنطقة العربية وتفتيتها.

وعلى الرغم من تبدل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وحروبها المستمرة ضد الفلسطينيين، وفي لبنان، بقيت هذه الإستراتيجية الخبيثة قائمة وثابتة، وظلت إسرائيل تتحين الفرصة السانحة لتنفيذها في أي لحظة ضعف أو انهيار في النظام الإقليمي العربي.

وقد شكلت لحظة سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر عام 2024، فرصة تاريخية ذهبية لإسرائيل لتنفيذ إستراتيجيتها عبر استثمار حالة الفوضى العارمة في الأمن، وانهيار الجيش السوري، من خلال قضم مساحات واسعة من الجنوب السوري، وحاولت استغلال الانقسامات الداخلية العميقة، وهواجس بعض الجماعات الدينية، لكسب ثقة الدروز والأكراد والمسيحيين والعلويين، فهدّدت بالتدخل العسكري لحماية الدروز من النظام الجديد في سوريا.

ووفقًا لما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركيّة، فإنّ إسرائيل تسعى جاهدة إلى تعزيز قناعات الدروز برفض السلطة السورية الجديدة، والمطالبة بحكم ذاتي فدرالي، وتخطط لضخّ ما يقارب المليار دولار لتحقيق هذا الهدف الخبيث.

وقد أكّد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن إسرائيل تربطها علاقات تحالف وثيقة مع الدروز، وعلينا دومًا أن نمد لهم يد العون والمساعدة، في حين صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بأنّه سيُسمح للعمال الدروز القادمين من سوريا بدخول إسرائيل وتسهيل إجراءاتهم.

وفي إطار هذه الخُطة الشيطانية، قامت إسرائيل بنقل ما يزيد عن عشرة آلاف سلة غذائية للدروز في السويداء، وبعض القرى المحاذية للحدود مع إسرائيل.

الدروز والهوية العربية

ينحدر الدروز من أصول عربية عريقة، ويتحدثون اللغة العربية الفصحى ويتشاركون العادات والتقاليد العربية الإسلامية الأصيلة، ولهم فلسفتهم الدينية الخاصة وشعائرهم الفريدة التي تميزهم عن بقية الطوائف الإسلامية الأخرى، ويؤكد تاريخهم الحافل بالأحداث أنهم ساهموا بشكل كبير في غالب المعارك الوطنية الكبرى ضد الاستعمار في سوريا ولبنان وفلسطين.

ولا يزال التيار العروبي القومي يشكل ثقلًا وازنًا داخل الطائفة الدرزية، وهذا الثقل التاريخي تجسد في مساهماتهم الفعالة في حركة التحرر والبناء الوطني في سوريا ولبنان، حيث برزت شخصيات سياسية واجتماعية لامعة، لعبت دورًا محوريًا في تاريخ النضال السوري، مثل الزعيم الوطني سلطان باشا الأطرش، وفارس الخوري، وكمال جنبلاط، ولم تظهر منهم طوال تاريخهم في سوريا أي ميول أو نزعات انفصالية، بل طالما عارضوا بشدة المشاريع الصهيونية الرامية إلى تقسيم سوريا وتفتيتها.

بيدَ أن سقوط النظام السابق وتولي حكومة ذات توجه إسلامي، والخطاب التحريضي الذي بثته بعض الجماعات الإسلامية المتحالفة مع النظام الجديد، فضلًا عن الأثر العميق الذي خلفته أحداث الساحل السوري الأخيرة على الأمن المجتمعي، قد انعكس ذلك برسائل سلبية واضحة على واقع الدروز، عبّر عنها رئيس الطائفة الدرزية موفق طريف بتصريحات تعبّر عن مخاوف جمة من النظام الجديد وتحديدًا رئيسه أحمد الشرع، حيث صرّح قائلًا: إنه لا يوجد وفاق أو توافق مع الحكومة السورية الجديدة التي وصفها بالمتطرفة، وأنه لا يمكن التفاهم معها على الإطلاق.

هذا التصريح الناري الصادر عن أكبر رجال الدين الدروز، فتح الباب على مصراعيه أمام شخصيات درزية أخرى طامعة في الظهور والشهرة لإطلاق تصريحات مماثلة، ولكن هذه المرّة بتشجيع صريح على التطبيع مع إسرائيل، وهي المرّة الأولى التي يظهر فيها بعض الدروز بصورة المتعاون مع ما كانوا يعتبرونه محرمًا على هُويتهم الوطنية وانتمائهم القومي.

فقد صرّح مالك أبو الخير، الأمين العام لحزب اللواء السوري في السويداء، بأن الزيارة التي قام بها وفد ديني درزي لإسرائيل، هي "تمهيد وتوطئة للعلاقات المستقبلية بين سوريا وإسرائيل"، وأن هذه العملية ستتمّ بشكل تدريجي ومدروس وتشمل جميع الطوائف، ولن تقتصر على الدروز وحدهم.

والواضح بجلاء أن الهيمنة الإسرائيلية المتزايدة على مناطق جنوب سوريا، والتأييد الأميركي المطلق لسياسات نتنياهو، سيتركان مساحة واسعة لظهور قوى سياسية وشخصيات اجتماعية درزية مؤيدة للسياسة الصهيونية في حماية سكان جنوب سوريا.

وهذا إن حدث بالفعل فسيكون على حساب الصوت العروبي والتاريخ الوطني المشرف للدروز، وهو ما حذّر منه الزعيم اللبناني وليد جنبلاط، حيث يسعى الاختراق الفكري الصهيوني، إلى استخدام بعض الدروز كأداة و"إسفين" إسرائيلي لتقسيم سوريا والمنطقة العربية تحت شعار "تحالف الأقليات"، وهو المشروع الخبيث الذي عارضه بشدة والده كمال جنبلاط ودفع حياته ثمنًا باهظًا لموقفه هذا.

موقف الحكومة

لا يزال الموقف السياسي الرسمي تجاه الإستراتيجية الصهيونية يتسم بالضعف والغموض وعدم الوضوح، وربما يعزى ذلك إلى انشغال حكومة أحمد الشرع بملفات أخرى تعتبرها أكثر أهمية وأولوية.

إضافة إلى ذلك، يبدو أن الشرع يفضل تجنب أي اهتمام بهذا الملف الشائك، حتى لا يمنح إسرائيل ذريعة سانحة لتكرار زيارة وفود مماثلة من جماعات دينية سورية شاردة ومعارضة، مثل العلويين في الساحل، الذين ربما أصبحوا بعد الأحداث الأخيرة أكثر استعدادًا للتعاون مع أي حليف محتمل يهدد أو يقوض سلطة النظام الجديد في سوريا.

والمطلوب بإلحاح من النظام الحالي هو مزيد من الحكمة والتبصر في التعامل مع جنوح بعض الشخصيات الدينية والإعلامية والاجتماعية التي باتت تؤثر علانية التعامل مع إسرائيل ضد الأمن القومي السوري، ففتح جبهات ثانوية لن يكون في صالح النظام وسيزيد من أعبائه، والمطلوب بإصرار من حكومة الشرع هو البدء في انتهاج أسلوب جديد للتعامل السلمي مع مناطق الأقليات المتنوعة، ومن بينهم الدروز، وذلك عبر العمل على إعادة إعمار مناطقهم المتضررة وتشجيع المشاريع الزراعية والصناعية الصغيرة والمتوسطة المدرة للدخل، ومعالجة المشكلات المستعصية التي تواجههم، مثل البطالة والفقر والهجرة المتصاعدة.

فمناطق الدروز تشهد هجرات متواصلة إلى خارج الأراضي السورية، ولهم جاليات كبيرة منتشرة في مختلف دول أميركا اللاتينية، ومن الملحّ والضروري في هذه المرحلة الحساسة، الإسراع بإرسال وفود حكومية رفيعة المستوى تتكون من شخصيات درزية موالية للنظام، وذلك لمناقشة مخاوف السكان المشروعة من النظام الجديد، والبدء في تطبيق حزمة من السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تطمئنّ السكان على مستقبلهم، مثل فتح باب التطوع أمام أبناء الطائفة الدرزية للانضمام إلى صفوف الجيش السوري الجديد، والأجهزة الأمنية والإدارية المختلفة، والقيام بحملة توظيف واسعة لحمَلة الشهادات الجامعية من أبناء المناطق الدرزية، وإبعاد الأصوات المتشددة والمتعصبة داخل المؤسسة السياسية والأمنية السورية، والتي تثير بتصريحاتها وممارساتها العدائية مخاوف الدروز وغيرهم من الطوائف السورية الأخرى حول مستقبل وجودها وتمثيلها الفعلي في الواقع السوري الجديد.

إن مستقبل سوريا واستقرارها السياسي يعتمدان، بلا شك، على السياسات الحكيمة التي يعتمدها النظام الجديد، والتي تليق بتاريخها العريق وحاضرها المعقد.

ينبغي للنظام الجديد أن يكون بمثابة البوصلة التي يلتفّ حولها جميع أبناء الشعب السوري، وصولًا إلى تحقيق الاستقرار المنشود والتنمية المستدامة. وهو الأمر الذي يتطلب حكمة سياسية بعيدة المدى، تقوم على تعزيز التضامن الوطني، وترسيخ قيم المشاركة والعدالة والإنصاف بين جميع السوريين بلا استثناء.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة